[i][b]عالم الجن والعفاريت يثير حب استطلاع كثير من الناس. وقد ورد في القرءان الكريم والأحاديث النبوية ذكرهم، وبعض هؤلاء الناس يقعون تحت سيطرة الجن، وهم لا يعلمون فيلجأون إلى السحرة لجهلهم، فيتحكم بهم المشعوذون. وإلقاء لمزيد من الضوء كان للموقع الثقافي الإسلامي هذا البحث الشيّق.
مسئلة وجود الجن ثابتة بالقرءان والحديث، أما القرءان فقد قال الله تعالى {قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانًا عَجَبًا (1) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}.
وسبب نزول هذه الآيات لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم صارت الجن لما تصعد إلى السماء لتسترق السمع ترجم بالشهب فقال إبليس: هذا أمر حادث ولم يكن لنا من قبل فأرسل الجن قسمًا منهم إلى المناطق المرتفعة وقسمًا منهم إلى المناطق المنخفضة فلقي الذين أرسلهم إلى المناطق المنخفضة النبيَّ وهو يصلي ويقرأ القرءان فآمنوا به فقالوا :{إِنَّا سَمِعْنَا قُرْءانًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا}.
وأما الحديث فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :"خلقَ الله الملائكة من نور وخلق الجان من مارج من نار" الحديث.
ورد عن سيدنا عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه قال لموسى بن نصير حدثنا بأعجب ما رأيت وكان هذا الرجل كثير التجوال كثير السفر في البحر قال: وصلت ذات يوم إلى جزيرة فوجدنا فيها ست عشرة جرة خضراء فعمدنا إلى واحدة، ففتحناها فإذا بها شيطان أسود يقفز ويقول :"والذي أكرمك بالنبوة لا أعود أفسد فيها أبدًا". ثم هرب، فندمنا لأننا فتحناها وتركنا الباقيات مغلقات.
وهذا الجني كان يظن نفسه لا زال في زمن سيدنا سليمان لأن الجن يُعمّرون في الدنيا أكثر من الإنس منهم من يعيش ألف سنة ومنهم من يعيش ألفي سنة إلى نحو خمسة ءالاف سنة.
خلق الله تعالى الجن من مارج من نار قال تعالى :{وخلق الجانّ من مارج من نار} أي من لهيب النار الصافي، وهم أجسام لطيفة أي غير كثيفة فلا يراهم أحد من البشر على صورهم الأصلية، وأبو الجن إبليس كان اسمه عزازيل، في أول الأمر كان مسلمًا يعبد الله مع الملائكة ولم يكن من الملائكة بل هو من الجن، ثم لما اعترض على الله وأبى أن يسجد لآدم سجود تحية مع الملائكة كفَر ولُعن وسمّي إبليس أي "مبعَد عن الخير" وقد كتب الله له الحياة والبقاء إلى يوم النفخ في الصور، أما ذريته الجن الآخرون فيموتون على ءاجال مختلفة إلا أنهم أطوال ءاجلاً من البشر.
وذرية إبليس منهم المسلم ومنهم الكافر. والمؤمن منهم لا يقال عنه رحماني بل يقال عنه جن مؤمن. وفيهم أولياء أتقياء كما في بني ءادم. ويسمى كفارهم شياطين، وليس فيهم أنبياء، والجن مكلفون باتباع دين الإسلام مأمورون بالعبادة قال الله تعالى :{وما خلقت الجن والإنسَ إلاَّ ليعبدون} أي إلا لآمرهم بعبادتي وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يجتمع بهم في بعض الليالي فيدرّسهم.
مسكن الجن وأكثر طعامهم
كثير من البيوت يسكنها الجن وهؤلاء يقال لهم عُمّار البيوت، منهم من يؤذي أصحاب البيت، ومنهم من لا يؤذي، وأحيانًا يظهرون لهؤلاء السكان وأحيانًا لا يظهرون، ومن الغريب أن بعض الناس إذا أرادوا أن يسكبوا ماء ساخنًا في المغسلة مثلاً بدلاً من أن يقولوا "بسم الله" يقولون "دستور" وهذا معناه أنّهم يطلبون الإذن من الجن كأنهم يقولون من بعد إذنكم، مع أنهم هم أصحاب البيت وليس الجن، فالأولى بهم أن يقولوا "بسم الله الرحمن الرحيم". ومن الجن من يسكن ضفاف الأنهر ومنهم من يسكن الكهوف ومنهم من يسكن عند السواقي ومنهم من يسكن في باطن الأرض، ذُكر عن رجل في زمن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه بال في جُحر وكان هذا الجُحر مسكن جن كفرة فخطفوه وأنزلوه إليهم إلى باطن الأرض وأبقوه عندهم وقتًا، وفي مدة مكثه عندهم وجد أن أكثر طعامهم الفول، وبقي عندهم مدة طويلة إلى أن غزا هذه القبيلة جن مؤمنون فغلبوهم وأخذوه منهم، ثم إنهم خيّروه بين أن يبقى عندهم أو أن يرجع إلى أهله، فاختار الرجوع فتركوه فخرج إلى أهله بعد غياب أربع أو خمس سنوات.
استراقهم السمع من الملائكة
لقد أعطى الله تعالى بعض الجن القدرة على الطيران فمنهم من يطير إلى ما تحت السماء الأولى، يسترقون السمع من الملائكة فترجمهم الملائكة بالشهب، وقد أعطاهم الله القدرة على التشكل بصور بني ادم، وهم أكذب خلق الله، ولبعضهم شركاء من فساق وكفار البشر يعينوهم على التنجيم والسحرالمحرم فعلهما.
والله تعالى وكلّ بالبشر حفظة من الملائكة يحفظونهم إلا من شىء قدره الله تبارك وتعالى عليهم، ولولا ذلك لجعلتنا الجن كالكرة يلعب بها اللاعبون من يد إلى يد.
بعض قدراتهم العجيبة
منهم من أعطاهم الله القدرة على الطيران ومنهم من أعطاهم الله القدرة على الغوص إلى أعماق البحار ومنهم من يحملون الأشياء الثقيلة كالصخور ونحوها. ومنهم من يحضرون الأعشاب من أقطار عدة أو يأتون بالأخبار من بلدان شتى. ويخبرنا القرءان أنه بلغ سيدنا سليمان أن امرأة تعبد الشمس مع قومها وأن لها عرشًا أي سريرًا طوله 80 ذراعًا وعرضه 40 ذراعًا. قال تعالى حكاية عن سيدنا سليمان :قَالَ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَن يَأْتُونِي مُسْلِمِينَ 38 وكان حينها في مجلس الحكم الذي يحكم فيه وفي هذا المجلس كراسي عددها ستمائة ألف كرسي الجن يجلسون متشكلين على جهة والإنس على جهة، قال تعالى : {قَالَ عِفْريتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ 39)}، وهذا العفريت هو من الشياطين الكبار ممن جعل الله لهم قوة غريبة، ولعل مجلس الحكم كان يستمر ساعتين أو أكثر، وعرش بلقيس كان في اليمن وسيدنا سليمان كان في فلسطين، وهذا يدل على قوة هذا العفريت، لكن سيدنا سليمان أراد أن يحضر عرش بلقيس بوقت أقل قال تعالى : _قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا ءاتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ} الذي عنده علم من الكتاب وهو ءاصف بن برخيا وهو من الأولياء البشر فأحضره بإذن الله.
ظهورهم لبعض الناس
ليعلم أن الجنّ لا يراهم البشر على صورهم الأصلية لقول الله تعالى :{إنَّه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} لكن قد يتشكل الجن بهيئة البشر في بعض الأحيان مع ظهور علامة فارقة كرجل الماعز أو كعينين طويلتين إلى غير ذلك من الأشكال، وقد يظهر أحياًنا متشكلاً بغير علامة فارقة تظهر لنا، وأحيانًا يتشكل بهيئة بعض الحيوانات كالحية وغيرها، فقد ثبت أن صحابيًا من الجن واسمه مالك أدرك زمن سيدنا عمر بن عبد العزيز، ومات وهو متشكل بهيئة حية، وصارت تفوح منه رائحة المسك، فأخبر به سيدنا عمر بن عبد العزيز فأخذه ودفنه، رحمة الله عليه. روى القصة الحافظ ابن حجر العسقلاني وابن الجوزي في مناقب عمر بن عبد العزيز
من دخل فيه جنــي
بسبب إهمال كثير من الناس الالتزام الشرعي وتلاوة أوراد التحصين التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صاروا عرضة لأذى الجن، فمن تعلم ما افترض الله عليه من علم الدين، تعلم أمور الطهارة وراعاها فإنه يكون أقوى على الجن من غير المتعلم، لا سيما إذا داوم على بعض الأوراد التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن بعضهم يهملون ذلك فيصابون أحيانًا بمس من الجنّ يدخل فيه الجني فيصير هذا الشخص كثير العصبية يتصرف أحيانًا تصرفات غريبة كأن يضرب بعض الناس أو كأن يصرخ أو يتخبط في الأرض أو يتكلم الجني على لسانه، وإصابة الجن قد توصل بعض الناس إلى الجنون وأحيانًا إلى الفالج وإلى غير ذلك من الأذى نسأل الله أن يحفظنا ويسلمنا من ذلك كله.
قتلُهُم لبعض النــــاس
ورد في كتاب الموطأ للإمام مالك بن أنس رضي الله عنه: وحدّثني مالك عن صيفي مولى ابن أفلح عن أبي السائب مولى هشام بن زهرة أنه قال: دخلت على أبي سعيد الخدري فوجدته يصلي فجلست أنتظره حتى قضى صلاته فسمعت تحريكًا تحت سرير بيته فإذا حية فقمت لأقتلها فأشار أبو سعيد أن اجلس، فلما انصرف أشار إلى بيت في الدار فقال: أترى هذا البيت فقلت نعم، قال إنه قد كان فيه فتى حديث عهد بعرس فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الخندق فبينما هو به إذ أتاه الفتى يستأذنه فقال يا رسول الله ائذن لي أحدث بأهلي عهدًا فأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: خذ عليك سلاحك فإني أخشى عليك بني قريظة فانطلق الفتى إلى أهله فوجد امرأته قائمة بين البابين فأهوى إليها بالرمح ليطعنها وأدركته غَيرة فقالت لا تعجل حتى تدخل وتنظر ما في بيتك فدخل فإذا بحية منطوية على فراشه فركز فيها رمحه ثم خرج بها فنصبه في الدار فاضطربت الحية في رأس الرمح وخر الفتى ميتًا فما يدري أيهما كان أسرع موتًا. الفتى أم الحية فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنَّ بالمدينة جنًّا قد أسلموا فإذا رأيتم منهم شيئًا فأذنوه ثلاثة أيام فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه فإنما هو شيطان. أخرجه مسلم في كتاب السلام باب قتل الحيات وغيرها.
.
..........تحياتى عمرو .............